الفهرس
تقديم
الباب الأول:
تعريف الحكامة وتطور مفهومها
الفصل الأول: تعريف الحكامة
الفصل الثاني: تطور مفهوم الحكامة
الباب الثاني:
أسس و معايير وشروط الحكامة الجيدة
الفصل الأول: أسس و معاييرالحكامة الرشيدة
الفصل الثاني: شروط الحكامة الجيدة
الفصل الثالث: عوائق تطبيق "الحكامة الجيدة والرشيدة"
الباب الثالث:
بعض المفاهيم أو المصطلحات المتداولة
الفصل الاول : الحكامة والديموقراطية
الفصل الثاني : الحكامة والتنمية البشرية
الخاتمة
الملخص
المراجع
تقديم:
يعتبر مفهوم الحكامة من المفاهيم الموضوعاتية التي لا زال النقاش و الحوار حولها مفتوحا بالنسبة للمجتمعات النامية٬ لكونه مازال ملفوفا بكثير من الغموض من حيث ميلاده ونشأته.
ان الإشكال لدى أطروحة الحكامة إنما هو كامن في فشل سبل العمل والتنسيق التي كانت الدول قائمة عليها إلى حين عهد قريب, مستبعدة في ذلك "مجهودات" القطاع الخاص ومساهمات مكونات المجتمع المدني وطموح الأفراد والجماعات في شتى أشكال تكتلاتهم المحلية أو الجهوية أو ذات الخلفيات المختلفة الأخرى.
فما هي إذن العراقيل التي تحول دون التطبيق الفعلي لآلية الحكامة في الإعداد والتهيئة؟
والإجابة عن هذه الإشكالية ستمكن٬ إلى جانب إبراز دور الحكامة في إنجاح عمليات التدبير٬ من تحديد أهم الشروط الموضوعية والكفاءات القانونية والمؤسساتية اللازم توفرها لتحقيق أهداف التدبير الرشيد.
الباب الأول:
تعريف الحكامة وتطور مفهومها
الفصل الأول: تعريف الحكامة
الحكامة هي أولا وقبل كل شيء تعبيرعن ممارسة السلطة السياسية وادارتها لشؤون المجتمع وموارده. ومفهوم استعجالي تبناه المنتظم الدولي لتجاوز حالة الخلل القائم في نماذج التنمية التي لا يجد فيها المجتمع الفرصة المناسبة للتعبير عن رأيه ومواقفه وحمولته الثقافية في المشاريع التنموية التي تهدف إلى تحسين مستواه المعيشي و تعتبر آلية للتدبير الرشيد و الحكيم للموارد بهدف تحقيق التوازن في شتى الميادين, بالإضافة إلى أنها تشكل دعامة ومدخل أساسي للوصول إلى حالة التنمية البشرية المستدامة.
وهذا المصطلح يختلف من دولة الى أخرى وهناك من يعرفها بأنها: الديمقراطية٬ الأمن٬ احترام حقوق الانسان٬ احترام القانون٬ المراقبة و المحاسبة٬ الشراكة....
وفيما يخص أهميتها المرحلية فهي تكتسبها من خلال حضورها القوي في تقارير البرنامج الانمائي للأمم المتحدة وتقارير البنك الدولي وغيرها من المؤسسات الدولية التي جعلت منها مفهوما مشدودا بقوة الى مفهوم التنمية المستدامة. وهي تفيد الرقابة والتوصية والتدبير الرشيد للمدخلات المجالية والطبيعية البشرية كمدخل لتحقيق التوازن والاستدامة في السيرورة التنموية.
فالحكامة اذن هي دعوة صريحة إلى تجاوز حالة اللاتوازن الناتج عن أحادية صنع القرار دون مراعاة المنطق العلمي المؤسس على عناصر المشاركة في مختلف مراحل إعداد المشروع من التشخيص الى البرمجة والتنفيذ ثم التقييم والمحاسبة في إطار سيرورة تمتاز بالشفافية والعقلانية.
الفصل الثاني: تطور مفهوم الحكامة
يعتبر مصطلح الحكامة من أهم المصطلحات التي أحدثت ثورة على المستوى البيداغوجي لعلاقتها بكافة التخصصات. واذا حاولنا التأصيل له نجد أن كلا من المدرستين الفرنسية والانجلوساكسونية تنسبانه اليهما. الا أنه من المؤكد أنه ظهر في القرن ٬18 ولم يتم تداوله الا في أواخر القرن 19 مع ظهور المقاولة الصناعية نظرا للحاجة الى حفظ التوازن الاقتصادي بنهج المراقبة على المستوى الصناعي. وتم تداوله في الحقل التنموي منذ نهاية الثمانينات٬ حيث استعمل لأول مرة من طرف البنك الدولي في 1989. وقد جاء هذا في اطار التأكيد على أن أزمة التنمية في افريقيا هي أزمة حكامة بالدرجة الأولى بسبب فساد النظم السياسية وضعف التسيير والتخطيط.
لهذا فقد تم تعريف الحكامة على أنها « الطريقة التي تباشر بها السلطة في ادارة موارد الدولة الاقتصادية منها والاجتماعية بهدف تحقيق التنمية».
لذلك فالحكامة الجيدة٬ في أي مجتمع وأي مؤسسة حكومية كانت أو غير حكومية٬ تبقى من أهم الضروريات لانجاح المشاريع التنموية٬ الا أن تطبيقها يتطلب سيادة جو تسوده الشفافية والمسؤولية ودولة القانون والمشاركة واللامركزية والتنسيق بين كل المتدخلين.
الباب الثاني:
أسس و معايير وشروط الحكامة الجيدة
الفصل الأول: أسس و معاييرالحكامة الرشيدة
هناك عدة معايير سياسية واقتصادية واجتماعية وادارية تشمل الدولة ومؤسساتها والادارة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمواطنين كناشطين اجتماعيين وهي معايير قد تختلف حسب المنظمات وحسب المناطق. ان المعايير المعتمدة من طرف البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي للتنمية٬ تتمحور بالأساس حول تحفيز النمو الاقتصادي وحرية التجارة والخوصصة.
معاييربرنامج الأمم المتحدة الانمائي
المشاركة : وهي حق المواطنين في الترشيح والتصويت وابداء الرأي ديموقراطيا في البرامج والسياسات والقرارات. وتتطلب توفر القوانين الضامنة لحرية تشكيل الجمعيات والأحزاب وحرية التعبير والحريات العامة وترسيخ الشرعية.
حكم القانون : أي أن القانون هو المرجعية وسيادته على الجميع بدون استثناء وفصل السلط واستقلالية القضاء ووضوح القوانين وشفافيتها وانسجامها في التطبيق.
الشفافية : تعني توفر المعلومات الدقيقة في وقتها وافساح المجال أمام الجميع للاطلاع على المعلومات الضرورية مما يساعد في اتخاد القرارات الصالحة وكذلك من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومن أجل التخفيف من الهدر ومحاصرة الفساد.
حسن الاستجابة : يعني قدرة المؤسسات والآليات على خدمة الجميع بدون استثناء.
التوافق : وهو القدرة على التحكيم بين المصالح المتضاربة من أجل الوصول الى اجماع واسع حول المصلحة العامة.
المحاسبة : محاسبة المسؤولين عن ادارتهم للموارد العامة وخصوصا تطبيق فصل
الخاص عن العام من تعسف واستغلال السياسيين.
الرؤية الاستراتيجية : أي الرؤية المنطلقة من المعطيات الثقافية والاجتماعية الهادفة الى تحسين شؤون الناس و تنمية المجتمع والقدرات البشرية.
الفصل الثاني: شروط الحكامة الجيدة
من أجل أن تقوم الحكامة لا مناص من تكامل عمل الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني٬ اذ لا يمكن أن نتحدث عن الحكامة دون تكريس المشاركة والمحاسبة والشفافية. ولا وجود للحكامة الا في ظل الديموقراطية أو السيادة الشعبية. والحكامة تستوجب وجود نظام متكامل من المحاسبة والمساءلة السياسية والادارية للمسؤولين في وظائفهم العامة ولمؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
ومنه فان بلوغ مستوى التدبير الرشيد التشاوري والتشاركي، رهين بتوفر مجموعة من الشروط المؤسساتية والقانونية التي تمنح الفاعل والمواطن الكفايات الضرورية لتسهيل عملية مشاركته وتعبيره عن أرائه، وهي ترتكز على تغيير طبيعة العمل العمومي من خلال:
إعادة النظر في احتكار الحكومة لتدبير الشأن العام، بمنح القوى المحلية مجموعة من الصلاحيات في إطار تكريس مسلسل اللامركزية، واللاتركيز في صناعة القرار السياسي.
توفير الكفايات اللازمة القانونية والمؤسساتية التي تسهل عملية تواصل المجتمع مع الفاعلين المحليين السياسيين والاقتصاديين.
العمل على دعم انفجار قنوات التفاعل الأفقي كالمجتمع المدني.
الحكامة والمجتمع المدني
إن الحديث عن الدور التنموي للمجتمع المدني يستدعي منا التمييز بين واقعين مختلفين لمجال عمل هذه التنظيمات.
فمؤسسات المجتمع المدني في الدول المتقدمة قد ترعرعت في ظل تقدم اقتصادي كبير، وانتشار الديمقراطية والحرية، وبالتالي فقد استفادت من البنيات التحتية ووفرة مصادر التمويل، الشيء الذي جعلها تتمتع بالاستقلالية في بعدها التنظيمي والهيكلي. وكل هذه الظروف جعلت المجتمع المدني في الغرب، يلعب دورا حيويا مكملا لمسيرة النمو الإنساني والمجتمعي.
أما في دول العالم الثالث فهذه التنظيمات ظهرت في ظل ظروف مختلفة تماما؛ ذلك أن التطورات التي عرفتها هذه الدول، خاصة ما يتعلق بمخلفات الاستعمار والمجهودات المبذولة من أجل تحقيق الإقلاع الاقتصادي وصولا إلى الانخراط في مسلسل التقويم الهيكلي، قد جعلها تعاني مجموعة من الاختلالات والتناقضات في كافة الميادين. فظهور المجتمع المدني كان يهدف إلى ملئ الفراغ الذي تركه انسحاب الدولة وتخليها عن بعض أدوارها خاصة على المستوى الاجتماعي.
إلا أنه ورغم بعض الصعوبات التي واجهتها تنظيمات المجتمع المدني من ضعف البنيات التحتية وقلة مصادر التمويل وضعف تكوين الموارد البشرية، فقد استطاعت أن تقوم بمبادرات محمودة في بعض القطاعات الاجتماعية كمحو الأمية وإدماج العنصر النسوي في الحياة الاقتصادية خاصة في العالم القروي.
ومن هذا المنطلق ينبغي الاعتراف بأن العمل الجمعوي هو حقيقة التكامل مع العمل الحكومي٬ لأن عدم اشراك المواطنين في المسؤولية يفرغ الديمقراطية من كل معنى حقيقي لها وبالتالي يحيل على بيروقراطية سهلة تكون عواقبها وخيمة وفيروسا مجتمعا بحل الشوائب والظواهر غير الصحية.
والحديث عن المجتمع المدني٬ لاينبغي فهمه بالمعنى الضيق وحصره في المنظمات غير الحكومية والتي في الغالب تأخذ أشكال منظمات بيروقراطية٬ بل في اعتقادنا يجب أن تتكتل حول مشاريع موحدة٬ لانعاش مبادرات الجمعيات وبالتالي الحصول على تفاعل بين السلطة العمومية والفاعليين الاقتصاديين والاجتماعيين.
الحكامة واللامركزية
يمكن حصر مفهوم اللامركزية في تفويت جزء مهم من سلطة اتخاذ وتنفيذ القرارات الإدارية بإمكانيات وموارد محلية لفائدة الجماعات والجهات، لضمان اتخاذ قرارات فعالة ومجدية تراعي المتطلبات المحلية وتأخذ بعين الاعتبار معطيات الواقع المتخذة لفائدته.
أما اللاتركيز، فهو تفويت جزء مهم من سلطة صنع القرار إلى جهات محلية خاضعة للسلطة المركزية التي تظل هي المتحكمة في سلطة التوجيه والإلغاء، وبعبارة أخرى يقصد باللاتركيز نقل اختصاصات الوزراء إلى بعض موظفي المصالح الخارجية أو إلى العمال، أو إلى بعض موظفي الإدارة المركزي.
إلا أن الملاحظ هو أن الإدارة الجهوية لا تزال تعرف تعثرا كبيرا في تطبيق اللامركزية و اللاتركيز، نظرا للهيمنة التي لازال يحض بها النظام المركزي في تسيير شؤون البلاد، وبالتالي فتطبيق نظام اللاتركيز واللامركزية يتطلب مجموعة من المبادرات من أهمها:
توزيع السلطة والوسائل بين الإدارة المركزية والمصالح الخارجية وبين الدولة والجماعات المحلية.
القيام بإصلاح إداري يستجيب لمتطلبات اللاتركيز ويلبي حاجيات المواطنين.
وضع اللاتركيز في مقدمة الأوليات ضمن برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
توسيع مبدأ تقريب الإدارة من المواطنين ليشمل الوقوف عند مشاكلهم، ويتعلق الأمر بإعداد التراب الوطني وفك العزلة عن العالم القروي.
ان خيار اللامركزية والفضاء المحلي كمشروع مجتمعي مستقل قائم على المشاركة الشعبية يتطلب جملة من السياسات والمقومات السياسية والتمويلية والادارية.
ولعل البعد الأكثر أهمية لارتباط اللامركزية بالنهوض بالتنمية البشرية يأتي من خلال الكفاءة الانتاجية بمعناها الواسع ومن التمكن من وضع أليات المساءلة والمحاسبة والحد من الروتين وتطبيق مبدأ الشفافية في المعاملات والحد من مظاهر الفساد الاداري والمالي.
ومثل هذا المنظور الرامي الى تحقيق كفاءة انتاجية عالية من اعتماد اللامركزية في مفهومها الواسع لا يمكن ترجمته على أرض الواقع ما لم يكن مؤطرا بمشاركة المواطنين٬ بحيث يصبحون على المستوى المحلي واعيين كل الوعي بكيفية توظيف الموارد واستخدام المال العام٬ وعلى دراية بما يتم التخطيط له من برامج ومشروعات محلية.
ولعل الأهم اذن٬ هو ارتباط اللامركزية بالعدالة الاجتماعية عن طريق التنمية المحلية القائمة على المشاركة السياسية٬ فالمجالس الجماعية كوحدات ترابية ستكون مهتمة بتوفير الخدمات العامة بصور عادلة. وقد لاتكتفي أنماط الديمقراطية الشكلية في تحقيق ذلك ما لم تكن هنالك مشاركة سياسية حقيقية ومباشرة لجميع الفئات الاجتماعية.
ومن هذا المنطلق٬ فان الحكامة تقتضي مجموعة من الرقابات لانجاح خيار اللامركزية٬ بدءا من ضرورة التحكم الفعلي للمواطنين المحليين٬ سياسيا وفنيا بما يتم التخطيط له وكذا التأكد من تأسيس وتطبيق نظم ادارية تتسم بالمرونة والشفافية وبالشكل الذي تضمن معه الرفع من مستوى الكفاءة الانتاجية للعاملين.
الفصل الثالث: عوائق تطبيق "الحكامة الجيدة والرشيدة"
ما سبق هزم لنا عسر فهم المفهوم، وصار بنا إلى ضرورة تحديد أهم الشروط الضروري توفرها لبلوغ تنظيم وتهيئة المجال على أساس آلية الحكامة.
فالحكامة الرشيدة هي نتيجة وترجمة مباشرة لتبني سياسة اللامركزية ووضع إطار قانوني يمنح الفاعل السياسي والاقتصادي والمدني الشروط المناسبة لتحقيق المشاركة والعدالة والشفافية والإدماج، وإذا الدول قد تبنت إطارا قانونيا ومؤسساتيا متطورا نسبيا لتفعيل اللامركزية واللاتركيز، فإنها تعرف الوفرة في المعيقات التي تحول دون التواصل الفعال بين القمة والهرم ، والانتقال من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية، وما يعيق هذه العملية يمكن تلخيصه في:
عوائق مؤسساتية: أي ما يشوب المؤسسات الوطنية والجهوية والمحلية خاصة، من غموض بينها وبين المؤسسات المدنية والمجتمعات المحلية.
عوائق علائقية: تمس عدم التكافؤ وضعف فعاليات العلاقات بين إدارات الدولة والجماعات المحلية، والتي لازالت تتصف بأشكال الوصاية والمراقبة من طرف الفاعلين في مراقبة التراب الوطني.
عوائق اجتماعية وسياسية: ممثلة في طريقة اختيار الموظفين السياسيين للجماعات المحلية والتي تعتبر الأحزاب السياسية المسئول الأول عنها.
عراقيل منهجية: ممثلة في الانحرافات السياسية المسجلة لدى الهيئات التمثيلية، الضعيفة التكوين.
وما يزيد من عرقلة آلية الحكامة لأداء دورها، يمكن تلخيصه في الجانب التقني الممثل في عمليات التقطيع ذات البعد الأمني والتي أنتجت بهدف التمكن من المراقبة والتأطير.
الباب الثالث:
بعض المفاهيم أو المصطلحات المتداولة
الفصل الاول : الحكامة والديموقراطية
لا تكتفي موضوعة الحكامة, الرائجة منذ مدة بأروقة المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية, بالمطالبة بالتسيير الجيد والتدبير السليم للشؤون العامة, بل وتذهب إلى مستوى إلحاحها على ضرورة تعضيد ذلك ب"جرعات" في الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان تترجم بمقتضاها قيم المواطنة و"الإحساس بالمسؤولية" والمساهمة في التدبير.
بالتالي, فبقدر ما تدفع الحكامة بضرورة تسييد قيم التسيير الجيد والتدبير الرشيد للموارد والإمكانات المتاحة اقتصاديا واجتماعيا, فإنها تدفع أيضا وبالقدر ذاته إلى إلزامية مصاحبة ذلك (سياسيا ومؤسساتيا) بنظم في الحكم لا ترتكن إلى تمثيلية الجسد الانتخابي حتى بأسمى صوره وأشكاله, بل وتذهب لحد جعله في قلب صناعة القرار إذا لم يكن بالتمثيل الشاسع والواسع, فعلى الأقل بالتشاور المكثف الذي يضمن التشاركية ولا يقتصر على مستوى الانتداب غير مضمون النتائج والتبعات.
والآية من ذلك إنما ضمان شكل في الديموقراطية تشاركي مقابل شكل الديموقراطية التمثيلي السائد الذي يستصدر البعد التشاركي ويقصيه إلى حد بعيد حتى بوجود نصوص في اللاتمركز واللامركزية قوية وجريئة (كما بفرنسا أو بألمانيا أو بغيرهما).
وعلى هذا الأساس, فالحكامة إنما تضع الديموقراطية التمثيلية (البرلمانية عموما) في محك من أمرها ليس فقط باعتبارها إياها مركزة لآليات اتخاذ القرار ولا لكونها تحتكر سلطة الولاية على الشأن العام, ولكن أيضا كونها تحجر على قضايا الشأن المحلي والجهوي التي غالبا ما يكون أمر البث فيها من صلاحيات مجالس منتخبة.
قد لا يكون القصد من لدن دعاة الحكامة تقويض مرتكزات الديموقراطية التمثيلية٬ لكنها تقصد حتما تعضيدها بأشكال جديدة في الديموقراطية تسعى الى خلق سبل في التضامن بين الأفراد والجماعات, بين القرى والمدن, بين الجهات والمجموعات, بين تجاذب المصالح والمنافع وبين هذه المنطقة من العالم وتلك حتى وإن كانت مستويات نموها مختلفة لدرجة التباين المطلق.
بالتالي, فنحن بهذه النقطة, لن نكون فقط بإزاء إغناء عابر لمبادئ الديموقراطية التمثيلية التي تعارفت عليها المجموعات من قبل كما في الوقت الراهن, بل وأيضا بإزاء تجاوز بنيوي للمرتكزات الشكلية التي بنيت عليها لعقود طويلة خلت.
الفصل الثاني : الحكامة والتنمية البشرية
لا شك أن مبادرة التنمية البشرية التي جاءت لتضع هذا المفهوم في سياقاته السياسية الجديدة منذ أن نادت به الأمم المتحدة منذ ما يربو على أكثر من 15 سنة٬ وضعت من خلالها المنظومة الدولية٬ الأسس و المرتكزات لتأهيل انسان الألفية الثالثة٬ باعتبار أن هذا الأخير يبقى هو الثروة الحقيقية لأي بلد٬ فقدرات البلدان تقاس اليوم على أساس ثروتها البشرية و ما تمتلكه حقيقة من طاقات بشرية مؤهلة ومدربة وكفؤة٬ قادرة على الخلق والتفاعل مع كافة الأوضاع بفعالية ونجاعة.
لقد آمنت البلدان المتقدمة منذ زمن بأهمية الانسان وقدراته غير المحدودة في الخلق والابداع٬ فتبنت أسس الديموقراطية وأرست قيم الحرية والعدالة الاجتماعية٬ وأعلت من قيمة الفرد وأهميته في صنع الغد.
«البشر هم الثروة الحقيقية للأمم٬ وما التنمية البشرية سوى توسيع خيارات البشر» ظل هذا الشعار الذي رفعته الأمم المتحدة أحد أهم المتكزات التي قامت عليها فلسفة مقاربة المشروع الانساني كذات منتجة وفاعلة في شتى المجالات٬ فلم يقتصر مفهوم التنمية البشرية على تأهيل القدرات البشرية في جوانب محددة كتحسين الخدمات الاجتماعية والمعرفية وتحقيق مستوى معين من العيش الكريم٬ بل أصبحت تمتد الى الاستفادة من مهارات وقدرات الانسان في مجالات العمل من خلال توفير فرص الابداع الانساني والمساهمة الفاعلة في النشاطات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في اطار مقاربة شمولية للتنمية. فمفهوم التنمية البشرية اذن يشمل مناحي مختلفة من حياة الأفراد تتفاعل فيه سياقات وأبعاد مختلفة تجاوز ما هو ذاتي نفعي محض الى ما هو مجتمعي مركب٬ انها ترسيخ للقيم المحفزة على العمل والداعية الى ضرورة تحقيق التقدم في شتى الميادين.
ومن الواضح أن مفهوم الحكامة تطور موازاة مع تطور مفهوم التنمية. لاسيما لما انتقل محور الاهتمام من الرأسمال البشري الى الرأسمال الاجتماعي ثم الى التنمية الانسانية. وظهر بجلاء عندما أضحت التنمية مرتبطة بالتكامل بين النشاط الاجتماعي٬ الاقتصادي٬ السياسي٬ الثقافي والبيئي ومستندة على العدالة في التوزيع والمشاركة.
وتعتبرالتنمية البشرية ركيزة أساسية للتنمية الشاملة وقيمة مضافة لبناء صرح مجتمع ديموقراطي حداثي وشرط ضروري لتجذير المواطنة وتفعيل حقوق الإنسان ولتكريس دولة الحق والقانون.
إن مركزية مفهوم التنمية البشرية وتعقد ارتباطاته بالحكامة الديموقراطية والتنمية الشاملة تطرح إشكالية تقاطعاتهما، خاصة في الدول الصاعدة مثل المغرب، التي راهنت على الليبرالية الاقتصادية والتعددية السياسية والانتقال الديموقراطي، ولكنها لازالت تعاني من مشاكل في تنميتها البشرية، حيث احتل المغرب الرتبة 123 من أصل 177 دولة خلال سنة 2004 حسب التقرير الدولي للتنمية البشرية 2006 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية٬ كما أنه يعاني من 55% من الأمية و 15% من سكانه النشيطين. فعلى الرغم من الانجازات المحققة، مازالت بلادنا تعاني من العجوزات الاجتماعية والعجوزات الديموقراطية والمرتبطة بالنوع الاجتماعي وكذا من ضعف الإندماج الداخلي والخارجي لهياكله الاقتصادية. وهذه مجموعة من العوامل التي تهدد تماسكه الاجتماعي واستقراره الداخلي، وتعيق إقلاعه الاقتصادي وتساهم في تعطيل انتقاله الديموقراطي.
اذا كانت التنمية البشرية تتطلب شرطا أوليا لابد منه للوصول الى مراميها٬ يتمثل هذا الشرط في تحديد نقطة الاقلاع أو الانطلاق٬ فهل مشروع المغرب التنموي كانت له نقطة اقلاع واحدة٬ أم كانت له انطلاقات متعددة ومتباينة? هل الكل أولا متفق على معنى ومضمون التنمية البشرية? وهل الكل أمام شعار واحد أم لكل مسؤول فهمه ومفهومه?
الخاتمة
الإعداد والتنمية والتهيئة كلها مفاهيم تقنية تصب في ضرورة التنظيم وحسن التسيير حسب إمكانات ثقافية واجتماعية واقتصادية وايكولوجية، وتهدف إجرائيا وعمليا إلى إزالة الحدود بين المستويات وإلى العدالة في توزيع مدخلات ومخرجات التنمية المستدامة.
ومنه فالحكامة اذن دعوة صريحة وفعلية إلى ضرورة الحجر على الديمقراطية التمثيلية التي تحتكر سلطة الولاية على الشأن العام، وتدعو إلى ضرورة تطعيم هذا النهج اللامركزي الفاشل بجرعات وأشكال جديدة من الديمقراطية التشاركية تمكن من إشراك جميع أطراف معادلة الإعداد الفعال، المدافع عن المجموعات الهشة اقتصاديا واجتماعيا والمطالب بضرورة صيانة الوسط الثقافي واعتباره في عمليات التهيئة.
وختاما، الحكامة هي الحد الفاصل بين الديمقراطية في شكليها التمثيلي والبرلماني الممركز ودعوة صريحة على ديمقراطية تشاركية مؤسسة على المساهمة والمشاركة والتوافق في صنع وتنفيذ وتقييم برامج ومشاريع التنمية على أرض الواقع، وهي قناة أساسية تمكن من الاستفادة من نواتج ونتائج التنمية المستدامة.
الفهرس
تقديم
الباب الأول:
تعريف الحكامة وتطور مفهومها
الفصل الأول: تعريف الحكامة
الفصل الثاني: تطور مفهوم الحكامة
الباب الثاني:
أسس و معايير وشروط الحكامة الجيدة
الفصل الأول: أسس و معاييرالحكامة الرشيدة
الفصل الثاني: شروط الحكامة الجيدة
الفصل الثالث: عوائق تطبيق "الحكامة الجيدة والرشيدة"
الباب الثالث:
بعض المفاهيم أو المصطلحات المتداولة
الفصل الاول : الحكامة والديموقراطية
الفصل الثاني : الحكامة والتنمية البشرية
الخاتمة
الملخص
المراجع
تقديم:
يعتبر مفهوم الحكامة من المفاهيم الموضوعاتية التي لا زال النقاش و الحوار حولها مفتوحا بالنسبة للمجتمعات النامية٬ لكونه مازال ملفوفا بكثير من الغموض من حيث ميلاده ونشأته.
ان الإشكال لدى أطروحة الحكامة إنما هو كامن في فشل سبل العمل والتنسيق التي كانت الدول قائمة عليها إلى حين عهد قريب, مستبعدة في ذلك "مجهودات" القطاع الخاص ومساهمات مكونات المجتمع المدني وطموح الأفراد والجماعات في شتى أشكال تكتلاتهم المحلية أو الجهوية أو ذات الخلفيات المختلفة الأخرى.
فما هي إذن العراقيل التي تحول دون التطبيق الفعلي لآلية الحكامة في الإعداد والتهيئة؟
والإجابة عن هذه الإشكالية ستمكن٬ إلى جانب إبراز دور الحكامة في إنجاح عمليات التدبير٬ من تحديد أهم الشروط الموضوعية والكفاءات القانونية والمؤسساتية اللازم توفرها لتحقيق أهداف التدبير الرشيد.
الباب الأول:
تعريف الحكامة وتطور مفهومها
الفصل الأول: تعريف الحكامة
الحكامة هي أولا وقبل كل شيء تعبيرعن ممارسة السلطة السياسية وادارتها لشؤون المجتمع وموارده. ومفهوم استعجالي تبناه المنتظم الدولي لتجاوز حالة الخلل القائم في نماذج التنمية التي لا يجد فيها المجتمع الفرصة المناسبة للتعبير عن رأيه ومواقفه وحمولته الثقافية في المشاريع التنموية التي تهدف إلى تحسين مستواه المعيشي و تعتبر آلية للتدبير الرشيد و الحكيم للموارد بهدف تحقيق التوازن في شتى الميادين, بالإضافة إلى أنها تشكل دعامة ومدخل أساسي للوصول إلى حالة التنمية البشرية المستدامة.
وهذا المصطلح يختلف من دولة الى أخرى وهناك من يعرفها بأنها: الديمقراطية٬ الأمن٬ احترام حقوق الانسان٬ احترام القانون٬ المراقبة و المحاسبة٬ الشراكة....
وفيما يخص أهميتها المرحلية فهي تكتسبها من خلال حضورها القوي في تقارير البرنامج الانمائي للأمم المتحدة وتقارير البنك الدولي وغيرها من المؤسسات الدولية التي جعلت منها مفهوما مشدودا بقوة الى مفهوم التنمية المستدامة. وهي تفيد الرقابة والتوصية والتدبير الرشيد للمدخلات المجالية والطبيعية البشرية كمدخل لتحقيق التوازن والاستدامة في السيرورة التنموية.
فالحكامة اذن هي دعوة صريحة إلى تجاوز حالة اللاتوازن الناتج عن أحادية صنع القرار دون مراعاة المنطق العلمي المؤسس على عناصر المشاركة في مختلف مراحل إعداد المشروع من التشخيص الى البرمجة والتنفيذ ثم التقييم والمحاسبة في إطار سيرورة تمتاز بالشفافية والعقلانية.
الفصل الثاني: تطور مفهوم الحكامة
يعتبر مصطلح الحكامة من أهم المصطلحات التي أحدثت ثورة على المستوى البيداغوجي لعلاقتها بكافة التخصصات. واذا حاولنا التأصيل له نجد أن كلا من المدرستين الفرنسية والانجلوساكسونية تنسبانه اليهما. الا أنه من المؤكد أنه ظهر في القرن ٬18 ولم يتم تداوله الا في أواخر القرن 19 مع ظهور المقاولة الصناعية نظرا للحاجة الى حفظ التوازن الاقتصادي بنهج المراقبة على المستوى الصناعي. وتم تداوله في الحقل التنموي منذ نهاية الثمانينات٬ حيث استعمل لأول مرة من طرف البنك الدولي في 1989. وقد جاء هذا في اطار التأكيد على أن أزمة التنمية في افريقيا هي أزمة حكامة بالدرجة الأولى بسبب فساد النظم السياسية وضعف التسيير والتخطيط.
لهذا فقد تم تعريف الحكامة على أنها « الطريقة التي تباشر بها السلطة في ادارة موارد الدولة الاقتصادية منها والاجتماعية بهدف تحقيق التنمية».
لذلك فالحكامة الجيدة٬ في أي مجتمع وأي مؤسسة حكومية كانت أو غير حكومية٬ تبقى من أهم الضروريات لانجاح المشاريع التنموية٬ الا أن تطبيقها يتطلب سيادة جو تسوده الشفافية والمسؤولية ودولة القانون والمشاركة واللامركزية والتنسيق بين كل المتدخلين.
الباب الثاني:
أسس و معايير وشروط الحكامة الجيدة
الفصل الأول: أسس و معاييرالحكامة الرشيدة
هناك عدة معايير سياسية واقتصادية واجتماعية وادارية تشمل الدولة ومؤسساتها والادارة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمواطنين كناشطين اجتماعيين وهي معايير قد تختلف حسب المنظمات وحسب المناطق. ان المعايير المعتمدة من طرف البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي للتنمية٬ تتمحور بالأساس حول تحفيز النمو الاقتصادي وحرية التجارة والخوصصة.
معاييربرنامج الأمم المتحدة الانمائي
المشاركة : وهي حق المواطنين في الترشيح والتصويت وابداء الرأي ديموقراطيا في البرامج والسياسات والقرارات. وتتطلب توفر القوانين الضامنة لحرية تشكيل الجمعيات والأحزاب وحرية التعبير والحريات العامة وترسيخ الشرعية.
حكم القانون : أي أن القانون هو المرجعية وسيادته على الجميع بدون استثناء وفصل السلط واستقلالية القضاء ووضوح القوانين وشفافيتها وانسجامها في التطبيق.
الشفافية : تعني توفر المعلومات الدقيقة في وقتها وافساح المجال أمام الجميع للاطلاع على المعلومات الضرورية مما يساعد في اتخاد القرارات الصالحة وكذلك من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومن أجل التخفيف من الهدر ومحاصرة الفساد.
حسن الاستجابة : يعني قدرة المؤسسات والآليات على خدمة الجميع بدون استثناء.
التوافق : وهو القدرة على التحكيم بين المصالح المتضاربة من أجل الوصول الى اجماع واسع حول المصلحة العامة.
المحاسبة : محاسبة المسؤولين عن ادارتهم للموارد العامة وخصوصا تطبيق فصل
الخاص عن العام من تعسف واستغلال السياسيين.
الرؤية الاستراتيجية : أي الرؤية المنطلقة من المعطيات الثقافية والاجتماعية الهادفة الى تحسين شؤون الناس و تنمية المجتمع والقدرات البشرية.
الفصل الثاني: شروط الحكامة الجيدة
من أجل أن تقوم الحكامة لا مناص من تكامل عمل الدولة ومؤسساتها والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني٬ اذ لا يمكن أن نتحدث عن الحكامة دون تكريس المشاركة والمحاسبة والشفافية. ولا وجود للحكامة الا في ظل الديموقراطية أو السيادة الشعبية. والحكامة تستوجب وجود نظام متكامل من المحاسبة والمساءلة السياسية والادارية للمسؤولين في وظائفهم العامة ولمؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
ومنه فان بلوغ مستوى التدبير الرشيد التشاوري والتشاركي، رهين بتوفر مجموعة من الشروط المؤسساتية والقانونية التي تمنح الفاعل والمواطن الكفايات الضرورية لتسهيل عملية مشاركته وتعبيره عن أرائه، وهي ترتكز على تغيير طبيعة العمل العمومي من خلال:
إعادة النظر في احتكار الحكومة لتدبير الشأن العام، بمنح القوى المحلية مجموعة من الصلاحيات في إطار تكريس مسلسل اللامركزية، واللاتركيز في صناعة القرار السياسي.
توفير الكفايات اللازمة القانونية والمؤسساتية التي تسهل عملية تواصل المجتمع مع الفاعلين المحليين السياسيين والاقتصاديين.
العمل على دعم انفجار قنوات التفاعل الأفقي كالمجتمع المدني.
الحكامة والمجتمع المدني
إن الحديث عن الدور التنموي للمجتمع المدني يستدعي منا التمييز بين واقعين مختلفين لمجال عمل هذه التنظيمات.
فمؤسسات المجتمع المدني في الدول المتقدمة قد ترعرعت في ظل تقدم اقتصادي كبير، وانتشار الديمقراطية والحرية، وبالتالي فقد استفادت من البنيات التحتية ووفرة مصادر التمويل، الشيء الذي جعلها تتمتع بالاستقلالية في بعدها التنظيمي والهيكلي. وكل هذه الظروف جعلت المجتمع المدني في الغرب، يلعب دورا حيويا مكملا لمسيرة النمو الإنساني والمجتمعي.
أما في دول العالم الثالث فهذه التنظيمات ظهرت في ظل ظروف مختلفة تماما؛ ذلك أن التطورات التي عرفتها هذه الدول، خاصة ما يتعلق بمخلفات الاستعمار والمجهودات المبذولة من أجل تحقيق الإقلاع الاقتصادي وصولا إلى الانخراط في مسلسل التقويم الهيكلي، قد جعلها تعاني مجموعة من الاختلالات والتناقضات في كافة الميادين. فظهور المجتمع المدني كان يهدف إلى ملئ الفراغ الذي تركه انسحاب الدولة وتخليها عن بعض أدوارها خاصة على المستوى الاجتماعي.
إلا أنه ورغم بعض الصعوبات التي واجهتها تنظيمات المجتمع المدني من ضعف البنيات التحتية وقلة مصادر التمويل وضعف تكوين الموارد البشرية، فقد استطاعت أن تقوم بمبادرات محمودة في بعض القطاعات الاجتماعية كمحو الأمية وإدماج العنصر النسوي في الحياة الاقتصادية خاصة في العالم القروي.
ومن هذا المنطلق ينبغي الاعتراف بأن العمل الجمعوي هو حقيقة التكامل مع العمل الحكومي٬ لأن عدم اشراك المواطنين في المسؤولية يفرغ الديمقراطية من كل معنى حقيقي لها وبالتالي يحيل على بيروقراطية سهلة تكون عواقبها وخيمة وفيروسا مجتمعا بحل الشوائب والظواهر غير الصحية.
والحديث عن المجتمع المدني٬ لاينبغي فهمه بالمعنى الضيق وحصره في المنظمات غير الحكومية والتي في الغالب تأخذ أشكال منظمات بيروقراطية٬ بل في اعتقادنا يجب أن تتكتل حول مشاريع موحدة٬ لانعاش مبادرات الجمعيات وبالتالي الحصول على تفاعل بين السلطة العمومية والفاعليين الاقتصاديين والاجتماعيين.
الحكامة واللامركزية
يمكن حصر مفهوم اللامركزية في تفويت جزء مهم من سلطة اتخاذ وتنفيذ القرارات الإدارية بإمكانيات وموارد محلية لفائدة الجماعات والجهات، لضمان اتخاذ قرارات فعالة ومجدية تراعي المتطلبات المحلية وتأخذ بعين الاعتبار معطيات الواقع المتخذة لفائدته.
أما اللاتركيز، فهو تفويت جزء مهم من سلطة صنع القرار إلى جهات محلية خاضعة للسلطة المركزية التي تظل هي المتحكمة في سلطة التوجيه والإلغاء، وبعبارة أخرى يقصد باللاتركيز نقل اختصاصات الوزراء إلى بعض موظفي المصالح الخارجية أو إلى العمال، أو إلى بعض موظفي الإدارة المركزي.
إلا أن الملاحظ هو أن الإدارة الجهوية لا تزال تعرف تعثرا كبيرا في تطبيق اللامركزية و اللاتركيز، نظرا للهيمنة التي لازال يحض بها النظام المركزي في تسيير شؤون البلاد، وبالتالي فتطبيق نظام اللاتركيز واللامركزية يتطلب مجموعة من المبادرات من أهمها:
توزيع السلطة والوسائل بين الإدارة المركزية والمصالح الخارجية وبين الدولة والجماعات المحلية.
القيام بإصلاح إداري يستجيب لمتطلبات اللاتركيز ويلبي حاجيات المواطنين.
وضع اللاتركيز في مقدمة الأوليات ضمن برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
توسيع مبدأ تقريب الإدارة من المواطنين ليشمل الوقوف عند مشاكلهم، ويتعلق الأمر بإعداد التراب الوطني وفك العزلة عن العالم القروي.
ان خيار اللامركزية والفضاء المحلي كمشروع مجتمعي مستقل قائم على المشاركة الشعبية يتطلب جملة من السياسات والمقومات السياسية والتمويلية والادارية.
ولعل البعد الأكثر أهمية لارتباط اللامركزية بالنهوض بالتنمية البشرية يأتي من خلال الكفاءة الانتاجية بمعناها الواسع ومن التمكن من وضع أليات المساءلة والمحاسبة والحد من الروتين وتطبيق مبدأ الشفافية في المعاملات والحد من مظاهر الفساد الاداري والمالي.
ومثل هذا المنظور الرامي الى تحقيق كفاءة انتاجية عالية من اعتماد اللامركزية في مفهومها الواسع لا يمكن ترجمته على أرض الواقع ما لم يكن مؤطرا بمشاركة المواطنين٬ بحيث يصبحون على المستوى المحلي واعيين كل الوعي بكيفية توظيف الموارد واستخدام المال العام٬ وعلى دراية بما يتم التخطيط له من برامج ومشروعات محلية.
ولعل الأهم اذن٬ هو ارتباط اللامركزية بالعدالة الاجتماعية عن طريق التنمية المحلية القائمة على المشاركة السياسية٬ فالمجالس الجماعية كوحدات ترابية ستكون مهتمة بتوفير الخدمات العامة بصور عادلة. وقد لاتكتفي أنماط الديمقراطية الشكلية في تحقيق ذلك ما لم تكن هنالك مشاركة سياسية حقيقية ومباشرة لجميع الفئات الاجتماعية.
ومن هذا المنطلق٬ فان الحكامة تقتضي مجموعة من الرقابات لانجاح خيار اللامركزية٬ بدءا من ضرورة التحكم الفعلي للمواطنين المحليين٬ سياسيا وفنيا بما يتم التخطيط له وكذا التأكد من تأسيس وتطبيق نظم ادارية تتسم بالمرونة والشفافية وبالشكل الذي تضمن معه الرفع من مستوى الكفاءة الانتاجية للعاملين.
الفصل الثالث: عوائق تطبيق "الحكامة الجيدة والرشيدة"
ما سبق هزم لنا عسر فهم المفهوم، وصار بنا إلى ضرورة تحديد أهم الشروط الضروري توفرها لبلوغ تنظيم وتهيئة المجال على أساس آلية الحكامة.
فالحكامة الرشيدة هي نتيجة وترجمة مباشرة لتبني سياسة اللامركزية ووضع إطار قانوني يمنح الفاعل السياسي والاقتصادي والمدني الشروط المناسبة لتحقيق المشاركة والعدالة والشفافية والإدماج، وإذا الدول قد تبنت إطارا قانونيا ومؤسساتيا متطورا نسبيا لتفعيل اللامركزية واللاتركيز، فإنها تعرف الوفرة في المعيقات التي تحول دون التواصل الفعال بين القمة والهرم ، والانتقال من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية، وما يعيق هذه العملية يمكن تلخيصه في:
عوائق مؤسساتية: أي ما يشوب المؤسسات الوطنية والجهوية والمحلية خاصة، من غموض بينها وبين المؤسسات المدنية والمجتمعات المحلية.